تقنيةمقالات تقنية

(ح10) الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء.. نظرة على الماضي، الحاضر و المستقبل !

يستخدم الذكاء الإصطناعي في مجموعة واسعة من الصناعات اليوم، أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تصدرت عناوين الأخبار يتعلق بإستكشاف الفضاء. ذكرت وكالة “ناسا” أنها دخلت في شراكة مع “غوغل” و “IBM” و “إنتل” (Intel) من أجل تطوير تقنيات ذكاء إصطناعي متقدمة من شأنها أن تساعد في دفع مستقبل علوم الفضاء. في هذا المقال، نلقي نظرة فاحصة على كيفية إستخدام الذكاء الإصطناعي لدفع المهمة لإستكشاف الفضاء. بدأت وكالة ناسا بالفعل بهذه التطبيقات، و نحن على يقين من رؤية العديد من التقنيات الجديدة الناشئة عن هذه الشراكة في المستقبل القريب.

  في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من إستكشاف الفضاء، حيث تم إستخدامه للكشف عن الظواهر الفضائية التي لا يمكن للإنسان إكتشافها بسهولة، مثل “التغيرات في المسارات المدارية” أو “الأجسام الصغيرة” جدا بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. منذ فترة وجيزة، تم إستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي لتحليل البيانات التي تم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية و غيرها من الأدوات، مثل صور تلسكوب “هابل” الفضائي. تم إستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي أيضا للبحث عن الأنماط و الرؤى في هذه البيانات حتى يتمكن الباحثون من فهم الكون من حولنا بشكل أفضل.

  في الماضي، كانت مركبة “ديب سبايس” (DS1) الفضائية (التوضيحية) لتقنية “ناسا” تم إطلاقها في عام 1998. وكانت مهمتها الأساسية، إختبار 12  تقنية متقدمة عالية المخاطر بما في ذلك “الملاحة المستقلة” و تم تمديد المهمة مرتين واختتمت في عام 2001. صنعت مركبة (DS1) التاريخ عندما تم التحكم في تجربة طيرانها بواسطة أداة تحكم عن بعد (Remote Agent) و هو إنجاز لم  يشاهد إلا في الخيال العلمي حتى تلك النقطة. إن الذكاء الاصطناعي فاق كل التوقعات. إذ يمكنه إكتشاف و تشخيص و إصلاح أي مشاكل تواجه أثناء المهمة، ما أثبت أن هذا البرنامج يمكنه إتخاذ قرارات للحفاظ على سير المهمة بسلاسة.

  إحدى المهام الأخرى، هي مهمة تصوير عبر الأقمار الصناعية طورتها وكالة ناسا و وكالة المسح الجيولوجي الأمريكي (USGS). تم إطلاق (EO-1) في نونبر 2000، و قد تم تصميمه لإظهار تقنيات جديدة لرصد الأرض و توفير قدرة متقدمة لرصد ديناميات سطح الأرض. إستخدمت البعثة تصميما مبتكرا للمركبة الفضائية مدمجا مع 3 أجهزة إستشعار عالية الدقة لخلق فرص جديدة لمراقبة بيئة الأرض. تستخدم البيانات التي تم جمعها من هذه المستشعرات لدراسة مواضيع مختلفة بما في ذلك “العمليات البيئية”، “المخاطر الطبيعية”، “تغير إستغلال الأراضي”، “التخطيط الحضري” و “تغير المناخ العالمي”. تم تجهيز (EO-1) ببرنامج برمجي ثوري يسمى “عميل العلوم الذاتي” (Autonomous Science Agent) حيث سمح لـ EO-1 باكتشاف الأحداث التي تحدث على الكوكب و الإستجابة لها بشكل مستقل عبر حزمة تتكون من أنظمة لتحليل “البيانات العلمية” و “التخطيط التداولي” و التنفيذ القوي في وقت التشغيل.

  في الحاضر و المستقبل، يعتبر المساعد الآلي (Crew Interactive Mobile Companion) أو (CIMON) القائم على الذكاء الإصطناعي و تم إنشاؤه بواسطة “إيرباص” (Airbus) و (IBM) و وكالة الفضاء الألمانية (DLR) لإستخدامه في محطة الفضاء الدولية. كان “كبلر”  تلسكوبا فضائيا مصمما للبحث عن كواكب بحجم الأرض في المنطقة الصالحة للسكن في الفضاء. خلال 9 سنوات من جمع البيانات، حقق تلسكوب “كبلر” أكثر من 2600 إكتشاف بما في ذلك أول كوكب بحجم الأرض تم التحقق منه في المنطقة الصالحة للسكن خارج نظامنا الشمسي. سيستمر فريق الباحثين في تحليل البيانات التي جمعها “كبلر” لإكتشاف المزيد من الكواكب و توجيه المزيد من علوم الأحياء الفلكية. و مع إزدياد قوة تقنيات التعلم الآلي، نتوقع من العلماء إكتشاف المزيد من الكواكب الخارجية في المستقبل القريب، كل ذلك استنادًا إلى البيانات الموجودة. في المستقبل، يفتح الذكاء الاصطناعي إمكانيات جديدة، و سيحدث قريبا ثورة في الطريقة التي نفكر بها حول الفضاء. من المقرر أن تصل مهمة (Parker Solar Probe) التابعة لناسا إلى الغلاف الجوي الخارجي للشمس في دجنبر 2024.

  سيكون المسبار على بعد  6.4 مليون كم (4 ملايين ميل) من سطح الشمس و يمكنه تحمل درجات حرارة تصل إلى 1370 درجة مئوية (2500 فهرنهايت) و مزود ب”مقياس مغناطيسي” و “مقياس طيف تصويري” يساعدنا في فهم كيفية تفاعل الشمس مع الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي، مما يسمح لنا بفهم “العواصف الشمسية”، والتي غالبا ما تتداخل مع تكنولوجيا الإتصالات على الأرض. من المتوقع أن يعمل الذكاء الإصطناعي على تحسين قدرتنا على مراقبة الأقمار الصناعية و المركبات الفضائية التي تدور حول الأرض في الرحلات الطويلة. من خلال الجمع بين الذكاء الإصطناعي و الروبوتات، قد نرى روبوتات فلكية يمكنها إستكشاف الكواكب والأقمار البعيدة بمفردها.

  نحن في قرن الفيزياء الفلكية. أكثر من أي وقت مضى، بات لدى المتخصصون في الكون والنجوم و “تاريخهما” إمكانية الوصول إلى البيانات القيمة. في عام 2022، أذهلت الصور الأولى لتلسكوب “جيمس ويب” الجميع، إذ لم نكن قادرين من قبل على رؤية كل هذا البعد في الفضاء. “هذه البداية فقط” كما أوضح عالم الفيزياء الفلكية و مدير الأبحاث في “مفوضية الطاقة الذرية و بدائل الطاقة”، ديفيد إلباز : “بدأ علماء الفيزياء الفلكية يفهمون بشكل أفضل أسباب أشكال المجرات و سلوكها. إذا كان المجتمع العلمي، حتى الآن قادرا على تحليل جميع البيانات الواردة، فلن يكون هذا ممكنا بحلول عام 2024 أو 2025.

  علاوة على ذلك، سنكون قادرين على محاكاة الحركات و التشكيلات و الحقائق الأخرى في الكون من خلال البيانات التي تم جمعها. اليوم، يتم إستخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من تطبيقات إستكشاف الفضاء التي تتراوح من أنظمة الملاحة المستقلة على متن المركبات الفضائية إلى المحاكاة الإفتراضية لتدريب رواد الفضاء. على سبيل المثال، طور “مختبر الدفع النفاث” التابع لوكالة ناسا نظاما لتخطيط المهام يعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكنه التخطيط بشكل مستقل لمهمة مركبة فضائية بناءا على معايير و قيود معينة. يتم إستخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل ملايين الصور التي تم جمعها من مركبات الرحلات صوب المريخ لتحديد مصادر المياه المحتملة أو الرواسب المعدنية على سطح الكوكب. بالنظر إلى مستقبل إستكشاف الفضاء، سيتم تنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد عبر مختلف المهمات المستقبلية في الفضاء و التي ستتنوع من تعدين الكويكبات و مبادرات إستعمار المريخ إلى السفر بين الكواكب و ما أبعد من ذلك.

المهدي المقدمي

شاب مغربي، محب للتقنية بصفة عامة، وخاصة العاب الحاسوب و الهاتف النقال، كما اعمل كمترجم و صحفي في الشأنين الإقتصادي و العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

نكون شاكرين لو عطلتم مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا على الاستمرار وتقديم الأفضل لكم