في عالم الفن والأغاني العربية، تظل بعض القصص محفورة في الذاكرة، ليس فقط بسبب جمال الألحان أو قوة الكلمات، بل أيضًا بسبب الأسرار التي تحيط بها.
واحدة من هذه القصص الغامضة هي قصة أغنية “قارئة الفنجان” التي غناها العندليب الأسمر “عبد الحليم حافظ”، وكيف ارتبطت بأسطورة السينما “سعاد حسني” وشاعر الحب “نزار قباني”.
**البداية من نزار قباني وكلمات الأغنية..
في أواخر الستينيات، كان “نزار قباني”، الشاعر السوري المعروف بأشعاره الرومانسية والثورية، يمر بفترة صعبة في حياته الشخصية.
بعد وفاة زوجته “بلقيس” في تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981، عاش قباني حالة من الحزن العميق، لكنه قبل ذلك، في الستينيات، كتب قصيدة بعنوان “قارئة الفنجان”، والتي تحمل في طياتها الكثير من الغموض والحيرة.
القصيدة تتحدث عن: “امرأة تقرأ الفنجان وتتنبأ بالمستقبل، لكنها في الحقيقة تعكس حالة الشاعر النفسية وتفكيره في القدر والمصير. تحولت هذه القصيدة لاحقًا إلى أغنية عندما قام الموسيقار “محمد عبد الوهاب” بتلحينها، واختار “عبد الحليم حافظ” لتأديتها”.
**عبد الحليم حافظ: صوت الغموض..
عُرف “عبد الحليم حافظ”، بقدرته على نقل المشاعر العميقة من خلال صوته، وجد في “قارئة الفنجان” فرصة للتعبير عن جانب آخر من شخصيته الفنية. الأغنية، التي صدرت عام 1969، حملت طابعًا دراميًا وغامضًا، يتناسب مع كلمات قباني التي تتحدث عن القدر والغموض.
لكن ما أنضاف إلى غموض الأغنية، هو التوقيت الذي صدرت فيه. كان عبد الحليم في تلك الفترة يعاني من مشاكل صحية خطيرة، وكانت الأغنية بمثابة انعكاس لحالته النفسية. البعض رأى في الأغنية إشارة إلى توقعات عبد الحليم بمرضه وقرب نهايته، خاصة مع كلمات مثل: “قالت لي يا حبيبي لا تحزن، القدر كتب عليك الرحيل“.
**سعاد حسني: الحضور الخفي..
في قلب هذه القصة، تظهر “سعاد حسني”، التي كانت في تلك الفترة واحدة من أشهر نجمات السينما العربية. ارتبطت سعاد بعبد الحليم بعلاقة صداقة قوية، وكانت دائمًا مصدر إلهام له. تقول بعض الروايات إن سعاد كانت موجودة أثناء تسجيل الأغنية، وأنها كانت تقدم الدعم المعنوي لعبد الحليم خلال تلك الفترة الصعبة.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. هناك إشاعة قديمة تربط بين سعاد حسني وكلمات الأغنية. البعض يعتقد أن “قارئة الفنجان” كانت إشارة إلى سعاد نفسها، التي كانت تعاني من مشاكل عاطفية وضغوط نفسية. بل إن هناك من قال إن “سعاد كانت تتنبأ بمستقبلها الغامض، الذي انتهى بوفاتها المثيرة للجدل في لندن عام 2001”.
**الأساطير والتفسيرات
مع مرور السنوات، أصبحت “قارئة الفنجان” أكثر من مجرد أغنية، بل تحولت إلى أسطورة تحيط بها العديد من التفسيرات. البعض يرى أن الأغنية كانت بمثابة نبوءة بوفاة عبد الحليم حافظ، الذي توفي عام 1977 بعد صراع طويل مع المرض. آخرون يرون أنها كانت تعكس حالة من اليأس والقبول بالقدر، وهو ما يعكس فلسفة نزار قباني في الحياة.
أما بالنسبة لسعاد حسني، فإن الأغنية أصبحت جزءًا من أسطورتها الشخصية. بعد وفاتها، عاد الكثيرون إلى “قارئة الفنجان” ليجدوا فيها إشارات إلى حياتها المليئة بالغموض والأسرار.
لم تكن “قارئة الفنجان” مجرد أغنية، بل هي قصة غامضة تجمع بين 3 من عمالقة الفن العربي: “عبد الحليم حافظ”، “سعاد حسني” و”نزار قباني”. كل منهم ترك بصمته على الأغنية، سواء من خلال الكلمات أو الأداء أو الحضور الخفي.
اليوم، بعد أكثر من 5 عقود على صدورها، تظل “قارئة الفنجان” واحدة من أكثر الأغاني العربية غموضًا وإثارة للتفكير، وهذا هو سر خلودها: “القدرة على أن تكون مرآة تعكس مشاعر كل من يسمعها، وتطرح أسئلة عن القدر والمصير التي لا تزال بدون إجابات”.
Views: 1