في ليلة صيفية هادئة من عام 1977، بينما كان عالم الفلك “جيري إيهمان” يفحص البيانات القادمة من تلسكوب “Big Ear” التابع لجامعة “أوهايو”، لاحظ شيئًا غريبًا. كانت إشارة لاسلكية قوية استمرت 72 ثانية، وبدت وكأنها قادمة من خارج كوكب الأرض. كتب “إيهمان” على هامش البيانات كلمة “Wow!”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الإشارة واحدة من أكثر الألغاز إثارة في تاريخ البحث عن الذكاء خارج الأرض..
**إشارة “Wow”.. بداية اللغز!
كانت إشارة “Wow” فريدة من نوعها. جاءت من اتجاه كوكبة “القوس”، وكان ترددها 1420 ميجاهرتز، وهو التردد الذي يعتقد العلماء أنه قد تستخدمه كائنات “ذكية” للتواصل، نظرًا لأنه تردد طبيعي لـ“الهيدروجين” (العنصر الأكثر انتشارًا في الكون). ومع ذلك، لم يتمكن العلماء من التقاط الإشارة مرة أخرى، مما جعلها لغزًا مستمرًا.
يقول الدكتور “جيل تارتر”، أحد رواد مشروع (SETI) : “إشارة “WOW” كانت أقرب ما وصلنا إليه من دليل محتمل على وجود ذكاء خارج الأرض. لكن غياب التكرار يجعلنا نتساءل: هل كانت مجرد ظاهرة طبيعية غريبة، أم كانت محاولة اتصال من حضارة بعيدة؟”.
**الكون الشاسع والبحث عن إجابات
منذ إشارة “WOW”، توسع البحث عن “الحياة الذكية” خارج الأرض بشكل كبير. مشاريع مثل: “Breakthrough Listen”، التي يمولها ملياردير التكنولوجيا “يوري ميلنر”، تستخدم تلسكوبات متطورة لمسح السماء بحثًا عن إشارات مشابهة. ومع ذلك، يبقى الكون شاسعًا بشكل يصعب تصوره.
يقدر العلماء أن هناك ما يصل إلى 200 مليار مجرة في الكون المرئي، تحتوي كل منها على مليارات النجوم والكواكب. حتى لو كانت نسبة ضئيلة من هذه الكواكب صالحة للحياة، فإن احتمالية وجود حضارات أخرى تظل مرتفعة. ولكن السؤال الأكبر هو: “هل نريد حقًا أن نجدها؟”.
**مخاطر الاتصال: هل نحن مستعدون لها؟
يرى بعض العلماء، مثل الفيزيائي الراحل “ستيفن هوكينغ”، أن “محاولة الاتصال بحضارات خارج الأرض قد تكون خطيرة”. يقول هوكينغ: “إذا زارتنا كائنات فضائية، فقد تكون النتيجة مشابهة لما حدث عندما وصل كولومبوس إلى أمريكا، ولم تكن النتيجة جيدة للسكان الأصليين”.
هذا التحذير، يثير أسئلة أخلاقية وعملية، منها : “هل يجب أن نرسل إشارات إلى الفضاء نعلن فيها عن وجودنا؟”، “أم يجب أن نكتفي بالاستماع؟”.. حتى الآن، لا توجد إجابة واضحة، لكن المشكلة تكمن في أن الإشارات اللاسلكية التي نرسلها من الأرض منذ عقود قد لا تكون وصلت بالفعل إلى كواكب بعيدة.
**التأثير الثقافي والفلسفي
لم تثر إشارة “Wow” فقط فضول العلماء، بل ألهمت أيضًا الكتاب والمفكرين وروايات الخيال العلمي، مثل “Contact” لـ“كارل ساجان” حيث تستكشف فكرة الاتصال مع حضارات أخرى وتأثيرها على البشرية. ساجان نفسه كان من أبرز المؤيدين لـ”ـ SETI”، ورأى أن “اكتشاف حياة خارج الأرض قد يوحد البشرية ويغير نظرتنا لأنفسنا”. من الناحية الفلسفية، يثير البحث عن الذكاء خارج الأرض أسئلة حول مكانة الإنسان في الكون: “هل نحن وحيدون؟”، “أم أننا مجرد جزء صغير من شبكة معقدة من الحضارات؟”.. هذه الأسئلة (وأخرى) تدفعنا إلى التفكير في معنى “الحياة” و“الوجود”.
**المستقبل.. بين الأمل والحذر !
مع تطور التكنولوجيا، تزداد فرصنا في اكتشاف إشارات مشابهة لـ “Wow”عبر التلسكوبات الجديدة، مثل “James Webb Space Telescope”، التي قد تساعدنا في العثور على كواكب تشبه الأرض وتحمل علامات الحياة. ومع ذلك، يبقى التوازن بين الأمل والحذر ضروريًا. يقول الدكتور “ناثان كاب”، عالم الفلك في معهد «SETI” : “علينا أن نستمر في البحث، لكن بوعي. الاتصال بحضارة أخرى قد يكون أعظم اكتشاف في تاريخ البشرية، أو قد يكون أكبر تهديد لوجودنا”.
إن إشارة “WOW”، رغم قصر مدتها (72 ثانية)، تظل تذكيرًا بغموض الكون واتساعه. إنها تدفعنا إلى التساؤل عن حدود معرفتنا وإمكانياتنا. في النهاية، البحث عن الذكاء خارج الأرض ليس مجرد مسعى علمي، بل هو رحلة استكشافية تلامس جوهر ما يعنيه أن تكون إنسانًا في كون مليء بالأسرار. “ربما تكون الإجابة على سؤال “هل نحن وحيدون؟” قريبة، أو ربما تبقى بعيدة لفترة طويلة. لكن ما نعرفه هو أن البحث نفسه يعلمنا التواضع، ويدفعنا إلى النظر إلى النجوم ليس فقط بحثًا عن إجابات، ولكن أيضًا بحثًا عن أنفسنا”.
Views: 1