المغرب يمهّد لولادة صناعة ألعاب إلكترونية محلية عبر برامج حكومية جديدة

شهد المشهد التكنولوجي المغربي خلال السنة الأخيرة مجموعة من التحولات اللافتة التي تشير إلى أن قطاع ألعاب الفيديو في المغرب لم يعد مجرد هواية لشريحة من الشباب، بل أصبح توجهاً استراتيجياً تتعامل معه الدولة بمنطق الاستثمار في المستقبل. فقد أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن إطلاق برامج جديدة موجّهة لتأهيل مطورين مغاربة، وتمكين شركات ناشئة من دخول السوق المحلية والعالمية بثقة أكبر. ورغم أن هذه المبادرات ما تزال في بدايات مسارها، فإنها تحمل مؤشرات قوية على أن المغرب يفتح الباب أمام صناعة إبداعية قد تتحول إلى رافعة اقتصادية خلال السنوات المقبلة، تماماً كما حدث في دول أخرى استطاعت تحويل شغف الشباب بالألعاب إلى صناعة قائمة بذاتها.

وتوضح الوزارة، من خلال برنامج Video Game Incubator، أن الهدف لا يقتصر على تقديم دورات تكوينية بسيطة، بل يتجاوز ذلك إلى مواكبة عشر شركات ناشئة كل سنة عبر مسار كامل يمتد من التكوين المهني الموجه إلى الإرشاد من طرف مختصين، وصولاً إلى التسويق وتطوير المنتج. هذا النوع من البرامج عادة ما نراه في بلدان تمتلك منظومة متقدمة في مجال ألعاب الفيديو، ما يجعل ظهور مثل هذه المبادرات في المغرب خطوة لافتة تحظى بترحيب واسع من العاملين والمهتمين بالمجال. الفكرة ليست فقط تعليم أساسيات تطوير الألعاب، بل إعداد مشاريع قابلة للنمو ومؤهلة لتتحول، مع الوقت، إلى علامات تجارية مغربية يستطيع الجمهور المحلي والعربي التعرف عليها بسهولة.

ويشرح مسؤولو البرنامج أن الهدف الأساس هو أن يتحول المشروع الصغير إلى علامة تجارية قوية تستطيع منافسة الإنتاجات الإقليمية، ما يعني أن البرنامج يعمل على دمج مسارات تكوينية متنوعة. فالتطوير في حد ذاته ليس سوى مرحلة واحدة ضمن سلسلة طويلة تبدأ من الفكرة، مروراً بمرحلة التصميم والتجربة وتطوير الشخصيات والسيناريوهات، وصولاً إلى الجانب التجاري المرتبط بخطط التسويق وتحليل الجمهور المستهدف. وفي هذا السياق، يجد المطور المغربي فرصة للاستفادة من خبرات عملية قد لا تتوفر له في المسارات الفردية المعتادة، إذ يتلقى توجيهات مباشرة حول كيفية تحسين منتوجه بشكل يجعل التجربة النهائية للاعب أكثر توازناً واحترافية.

ولعل ما يميز هذه السنة تحديداً، كما أشارت الوزارة، هو أن إطلاق ستة برامج وطنية موجّهة للشباب فتح الباب أمام موجة جديدة من الاهتمام بصناعة الألعاب الإلكترونية داخل المغرب. فالكثير من الشباب الذين كانوا يرون الأمر مجرد هواية معزولة، أصبحوا الآن ينظرون إليه كمسار مهني محتمل. ومع تزايد انتشار قصص نجاح مطورين مستقلين حول العالم عبر منصات مثل Steam وXbox Indie وPlayStation Indies، أصبحت فكرة تطوير لعبة مغربية تنافس الإنتاجات العالمية أكثر واقعية مما كانت عليه قبل سنوات قليلة. وقد بدأت بالفعل بعض المواهب المغربية تُظهر كفاءة لافتة في التصميم ثلاثي الأبعاد، وفي استخدام محركات الألعاب مثل Unreal Engine وUnity، إضافة إلى القدرة على معالجة التفاصيل التي تؤثر في التجربة السمعية والبصرية للاعب.

ومن المثير للاهتمام أن الاهتمام الحكومي لا يأتي فقط استجابة للطلب المحلي، بل يتقاطع مع موجة عالمية تضاعف فيها حجم سوق الألعاب الإلكترونية خلال الأعوام الأخيرة. وهنا يبرز سؤال لطالما طرحه كثيرون: هل المغرب مؤهل ليكون جزءاً من هذه الصناعة المتنامية؟ يبدو أن الجواب أصبح أقرب إلى الإيجاب مع ظهور هذه البرامج الرسمية. فعندما يحصل المطور الشاب على فرصة التكوين والتجريب بإشراف متخصصين، وتتاح له موارد تساعده على تطوير فكرته من مستوى بسيط إلى مشروع تجاري متكامل، يصبح احتمال ظهور منتجات مغربية قوية أمراً ممكناً، لا مجرد رغبة. وقد عبّر عدد من المشاركين في هذه البرامج، في تصريحات غير رسمية، عن شعورهم بأنهم أخيراً وجدوا “المسار الذي كانوا يبحثون عنه”. ويمكن اعتبار هذا التصريح بمثابة اقتباس يلخص روح البرنامج: “الشباب اليوم لا يبحث فقط عن فرصة تعلم، بل عن فرصة بناء مستقبل”.

أما النقطة الأهم في هذه المبادرات فهي تركيزها على خلق منظومة متكاملة بدلاً من الاكتفاء بالدورات التكوينية العابرة. فالمواكبة السنوية لعشر شركات ناشئة تعني أن الوزارة تراهن على إنشاء نواة أولى لصناعة ألعاب مغربية يمكن أن تتوسع عبر السنوات المقبلة. ومع تراكم التجارب، قد نشهد ظهور استوديوهات مغربية مستقلة قادرة على تقديم ألعاب في أصناف متنوعة، سواء كانت ألعاب أكشن، ألغاز، مغامرات، ألعاب محاكاة، أو حتى ألعاب تعليمية موجهة لقطاع التربية. والأهم من ذلك أن السوق المغربية، التي تضم ملايين اللاعبين، يمكن أن تصبح أول محك لهذه الإنتاجات قبل التفكير في أسواق أخرى.

تشير المعطيات المتداولة إلى أن الإقبال على هذه البرامج فاق التوقعات، حيث لفت الإعلان الأولي لانطلاق النسخة الجديدة اهتمام مطورين وهواة من مختلف المدن المغربية. بعضهم يمتلك تجربة سابقة في البرمجة، بينما يدخل آخرون المجال لأول مرة لكنهم يملكون أفكاراً مبتكرة. والجميل في الأمر أن البرنامج لا يشترط خلفية متقدمة، بل يعوّل على تنمية المهارات من الصفر عندما يكون الشغف موجوداً. كما أن اختيار متخصصين من مجالات متعددة مثل الجرافيكس، الصوت، السرد القصصي، تصميم مراحل اللعب، أو ما يعرف بـLevel Design، يدل على رغبة واضحة في بناء جيل من المطورين القادرين على العمل بشكل احترافي داخل فرق إنتاج حقيقية.

ويبدو أن هذه المبادرات لا تستهدف فقط المستقبل البعيد، بل تعمل أيضاً على خلق حركة جديدة في الوقت الراهن، حيث أصبح الحديث عن الألعاب الإلكترونية داخل المغرب يتجاوز إطار النقاشات الفردية إلى نقاشات مهنية تتعلق بالتصميم، التكنولوجيا، والاقتصاد الإبداعي. وربما يساعد دخول القطاع العام على توجيه الأنظار نحو هذه الصناعة بشكل أسرع. فعندما يرى المستثمرون المحليون أن هناك برامج رسمية تدعم القطاع، يصبح من الأسهل عليهم التفكير في تمويل استوديوهات ناشئة أو دعم مشاريعٍ واعدة.

وتشير ملامح السنة المقبلة إلى أن المغرب يتجه نحو مرحلة جديدة، قد تشبه المراحل الأولى التي مرت منها دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة قبل أن تتحول إلى مراكز عالمية في صناعة الألعاب. صحيح أن المغرب لا يمتلك بعد التجربة الكافية، لكن وجود إرادة مؤسساتية ورغبة شبابية في التعلم والتجريب يمكن أن يشكلا قاعدة مهمة للانطلاق. كما أن انفتاح السوق المغربية على الألعاب العالمية قد يساعد المطورين المحليين في فهم معايير الجودة، وطريقة تصميم ألعاب تناسب ذوق اللاعب العصري الذي تعود على إنتاجات ضخمة مثل The Legend of Zelda وAssassin’s Creed وFortnite.

وفي النهاية، من الواضح أن سنة 2025 ستكون بالفعل السنة التي بدأت فيها تتشكل ملامح صناعة ألعاب إلكترونية مغربية. ومع توسع البرامج الحكومية وتزايد اهتمام الشباب، يصبح الحديث عن ظهور علامات تجارية مغربية في عالم الألعاب أمراً قريباً. وقد تكون الخطوة التالية هي رؤية ألعاب مغربية تصل إلى متاجر عالمية، سواء على PlayStation Store أو Xbox Marketplace أو Steam، خاصة مع التطور المتسارع في قدرات المطورين.

Related posts

المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء والديبلوماسية الثقافية والفنية الواقعية والافتراضية

Nintendo تكشف أول صورة لفيلم The Legend of Zelda وتعلن بدء التصوير

المغرب يستقبل أول مصنع رقائق إلكترونية في أفريقيا باستثمار صيني ضخم يفتح الباب أمام صناعة جديدة